الكلب صديق الانسان ......
الكلب صديق الانسان، والان تثبت الجارب الحقلية صحة هذه المقولة في عدة ابعاد، ولكن كيف حدث ذلك، ولماذا تفوق الكلب على الذئب، مع ان الكلب كان في الاصل ذئب؟
قبل 15 الف سنة تمكن الانسان من تدجين قسما من الذئاب ليصبحوا على مر الزمن نوعا قائم بذاته: الكلب. عندما كان الانسان يطارد الحيوانات ويقوم بالصيد لتحصيل طعامه بدأت العلاقة بين الكلاب (عندما كانوا لازالوا ذئابا) وبين الانسان في النشوء بناء على مبدء تبادل المصلحة المشتركة. مع الزمن جرى تغييرات جينية على المجموعة التي انفصلت عن الذئاب لتصبح كلابا. نلاحظ ان الذئاب تتجنب الانسان، في حين تسعى الكلاب الى المجتمعات الانسانية بالفطرة، وتقبل بتوجيهات الانسان.
الذئب كان هو الحيوان الاول الذي تمكن الانسان من تدجينه، واستخدمه في الصيد والحراسة. لماذا جرى اختيار الذئب لهذا التعاون؟ على الاغلب لكون الذئاب حيوانات جماعية، مما يعني ان الافراد تملك بالفطرة الحاجة الى توزيع الوظائف واقامة نظام هرمي يجري فيه خضوع الاغلبية لقيادة واحدة من اجل الوصول الى نتائج جيدة في الصيد. لذلك لم يكن من الصعب على الذئب الاول قبول الخضوع الى رئيس قطيع جديد: الانسان، والقيام بمهمات مقابل الطعام.
لااحد متاكد من كيفية حدوث عملية التدجين الاولى. البعض يعتقد ان الانسان البدائي تمكن من اصطياد صغار الذئب وقام بتربيتهم. غير ان بروفيسور الاحياء الامريكي Raymond Coppinger يشير الى ان صغار الذئاب التي يجري اسرها الان تبقى متوحشة بما فيه الكفاية بحيث يتعذر استخدامها. لذلك فأن النظرية البديلة التي يقترحها ان بعض افراد الذئاب هم الذين اختاروا السكن قرب تجمعات الانسان لوجود بقايا طعام. مع الوقت اصبحت الذئاب متعودة على رؤية البشر وعلى كونهم مصدر الطعام. كما ان الانسان شعر ان وجود الذئاب قرب مساكنه قد قدم له خدمة إذ ابعد عنه بقية الحيوانات.
ومهما كان الامر فأن اغلبية الباحثين متفقين على ان الحياة المشتركة بين الانسان والكلاب اعطت الكلاب القدرة على فهم الانسان وتفسير الاشارات الصادرة عنه. مثلا تشير الابحاث التي اجراها العالم الامريكي Brian Hare من جامعة هارفارد، ان الكلاب قد تطور عندهم ذكاء ذو جذور جينية يجعلهم قادرين على التفاهم مع الانسان ، هذه السمات التي نشأت عند الكلاب ليست موجودة ليس فقط عند الذئاب، الاصل الاول للكلاب، بل وانها ليست موجودة حتى عند الشمبانزي، الذي يعتبر اقرب اقرباء الانسان الحديث.
قدرة الكلاب على فهم الانسان تظهر من خلال فهمهم للمعنى المقصود من تأشير الانسان بإصبعه على شئ ما. في التجربة يظهر بوضوح انه حتى الجرو الذي نمى بدون تماس مع الانسان يفهم ان تأشير الباحث كان يعني ان هناك طعام تحت الصحن الذي اشار اليه الباحص بأصبعه، في حين لم يتمكن جرو الذئب من الوصول الى المعنى نفسه، بالرغم من ان جرو الذئب كان مع الانسان منذ ولادته. هذا الامر يعني ان الكلب لديه قدرة جينية على فهم بعض طرقنا في التعبير.
تجارب اخرى جرت في هنغاريا تشير الى ان الكلاب تملك خاصية الرغبة بالالتفات والنظر الى وجه الانسان عندما تكون امام خيار او تحدي، في حين ان الذئاب ليست لديهم هذه الرغبة. العلماء يوضحون ان النظر الى الوجوه عند الانسان هو تعبير عن التواصل، وان الكلاب قد اقتبسوا هذه العادة عن الانسان. يوضح الباحث السويدي Peter Savolainen الى ان تلائم افراد من الذئاب للحياة مع الانسان جعل التغييرات الجينية امرا حتميا إذ ان ذلك جعلهم في وضع اكثر ملائمة لدورهم الجديد. قد يكون من المنطقي الاعتقاد ان الدماغ عند الكلاب قد اصبح اكبر بفعل علاقتهم مع الانسان وتعلمهم منه، ولكن الحقيقة غير ذلك. الدماغ عند الذئاب اكبر بمقدار 25% بالمقارنة مع دماغ الكلاب الكبيرة. الفحوصات اظهرت ان الكلب قد فقد قسم من الجزء الامامي من الدماغ. في هذا القسم توجد المشاعر العفوية. هذا يؤدي الى ان الكلب لايستطيع النجاح بالعيش في الطبيعة بنفس القدر الذي يستطيعه الذئب، وذلك لكون قدراته على الشم والسمع والنظر اصبحت اسوء بسبب التغييرات الجينية، مما يؤكد ان تغيرات جينية تحدث لملائمة الكائن مع ظروفه التغيرة.
من بحث اخر جرى في جامعة EOTOVS الهنغارية يظهر بوضوح ان الانسان ايضا يفهم لغة الكلاب. الانسان الذي لم يكن في حياته بالقرب من كلب يستطيع من خلال سماعه لشريط مسجل عليه اصوات الكلاب معرفة المزاج الذي عليه الكلب. الكثيرين كانوا يعتقدون ان عواء الكلب كان منتوج ثانوي لعملية الانتخاب الطبيعي التي جرت في مجرى تطور الكلب كنوع منفصل عن الذئاب، وان العواء لاوظيفة خاصة له. غير ان العلماء اليوم يعتقدون ان الكلب يعوي من اجل ايصال رسالة ما، وان الانسان تمكن من تطوير قدرات لتلقي هذه الرسالة. هذه القدرة عند الانسان لربما تخص ليس الكلاب فحسب بل عالم الحيوان بأسره، إذ ان الاصوات المنخفضة والحادة ترتبط في وعينا بالقوة والعدوانية في حين العالية والطرية ترتبط في ذهننا بالالفة والخضوع. هذا على مايبدو نوع من اللغة الشاملة لكل عالم الحيوان.
منقول
__________________
|